في تحليله لشخصيات «بوش» و«صدام حسين» وعرضه للجوانب الإعلامية والشائعات والنكات الموظفة في
الحرب الأميركية على العراق, يطرح الدكتور محمد أحمد النابلسي في كتابه الصادر حديثاً تحت عنوان «الحرب النفسية في العراق», السؤال اللغز والأكثر غموضاً المتعلق بكيفية تحقيق الانتشار الأميركي بهذه الصورة المذهلة ؟ وهو سؤال يستتبع قائمة من الأسئلة الملغزة مثل: كيف انهارت الدفاعات العراقية بهذه الصورة المأسوية؟ وما هو مصير القيادة العراقية؟
 3046853
وهل استقرت أميركا في العراق أم أنها تورطت فيه؟ وهل يمكن لمقاومة عراقية ان تنتظم في مواجهة الأميركيين؟ وأخيراً سؤال عما إذا كان نموذج حرب العراق كافياً لنصرة نظرية الحرب الإستباقية أم انه يدحضها على الرغم من الانتصار الذي حققته أميركا في هذه الحرب؟ وعليه هل ستستمر أميركا في حروبها الإستباقية أم تنغمس في ورطة عراقية غير متوقعة. تقنيات الحرب النفسية على العراق في الفصل الأول من الكتاب الجديد يشير الدكتور النابلسي إلى تقنيات الحرب النفسية في العراق, ويقصد الحرب النفسية الأميركية وحرب الشائعات وحرب النكات والإعلام والدعاية, وأخيراًَ سيكولوجيا الحروب, مؤكداً أن هذه الحرب لم تقف عند حدود الحرب النفسية التقليدية بل تخطتها إلى أسلحة نفسية, وتحديداً إلى القنبلة النفسية, وهي فكرة لم تغب عن بال العراقيين الذين صنعوا سلاحاً نفسياً في إطار الإمكانات المتاحة لهم, حيث استغلوا شائعة أسلحة الدمار الشامل, فأنتجوا قاذفات بدائية تقذف بودرة بيضاء توهم العدو بأنها سلاح كيماوي, مما يولد الذعر والرغبة في الهرب… و في هذا الإطار يروي شهود عيان أن الأثر النفسي لهذه البودرة الخادعة كان فاعلاً في بعض المعارك خلال الحرب العراقية وتحديداً في معارك أم القصر ومعركة المطار الأولى. هذا في الوقت الذي روج فيه الأميركيون للعديد من الشائعات كشائعة ملكية العراق لأسلحة الدمار الشامل, وشائعة قطع رأس النظام, وأخرى عن هروب طارق عزيز, إلى جانب شائعات عن تغيير خطة الحرب وإطالتها وتأخير الهجوم على بغداد في انتظار وصول قوات إضافية, كذلك شائعة سقوط المدن وضرب مقرات القيادة العراقية واستسلام لواء عراقي مع فرقته, وتدمير فرقة من الحرس الجمهوري, وشائعات أخرى عن انتظار انقلاب على الرئيس العراقي, وشائعات عن الأسلحة الروسية والسورية… لذلك كان من الطبيعي أن تكون حرب بخطورة حرب العراق موضوعاً لقائمة طويلة من النكات السابقة والمرافقة والتالية لها, حيث نجد أن الاختلاف الثقافي يجعل بعض النكات مفهومة في ثقافة دون غيرها, مع ما يصاحب ذلك من عجز بعض النكات عن اختراق الثقافات المستهدفة. وعن حرب الإعلام والدعاية, يشير الدكتور النابلسي إلى أن الإعلام والدعاية الإعلامية, لعبا دورهما في هذه الحرب, حيث تمكن وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف من اكتساب صدقية عبر تكذيبه الناجح للدعاية الأميركية, إذ أعتمد الأميركيون مبدأ الإرباك المعلوماتي, فكانوا يمنعون الصحافة من الوجود في أماكن الأحداث, ليعودوا فيذيعوا بياناتهم بصورة غامضة, مما أتاح للإعلام العراقي فرصة التفوق عن طريق حصرية مصدر المعلومات العراقية بالصحاف وإعطائه للمعلومات الدقيقة, لذلك كان قطع الطريق على ظهور الصحاف وضرب الإذاعة والتلفزيون العراقي أولى خطوات الدخول الأميركي إلى بغداد. التحليل النفسي بين «بوش» و«صدام حسين» من جهة أخرى يقدم رئيس المركز العربي للدراسات النفسية في الفصلين الثاني والثالث, تحليلاً نفسياً للرئيس الأميركي جورج ووكر بوش, مؤكداً أنه من النمط الذي لا يحسن التحكم في ردود فعله, وبحسب عالم الشخصيات الأميركي «دايفيد باربار», فإن القالب السلوكي لبوش الابن يشير إلى إنه يملك طاقة شخصية عالية لكنها موجهة في كفاح قهري لا متعة فيه, ومن هنا عجزه عن تحمل الاحباطات ,ذلك أنه لا يحصل من جهوده على كفاية عاطفية مقبولة, فالطابع القهري لعمله يحد من المردود العاطفي لهذا العمل ويقلصه, كما يواجه صاحب هذا النمط صعوبة في السيطرة على عواطفه وانفعالاته وعدائيته مثال ذلك الإحراج الذي سببه بوش لنفسه عندما تلفظ بكلمات نابية وجهها لأحد المراسلين الصحفيين دون أن ينتبه أن صوته لا يزال مسموعاً من الجمهور. هذا في الوقت الذي جهدت فيه المخابرات الأميركية, كي تنزع عن «صدام حسين» صورة البطل, لكن هذه الجهود فشلت لتوافر عناصر شخصية البطل في اللاشعور الجماعي عند الرئيس العراقي السابق, فهو شخصية يتيمة برزت على خلفية فقيرة لكنها منتمية انتماء واضحاً وراسخاً, وهو صاحب دعوة عروبية شاملة تحمس لها ودافع عنها حتى النهاية, كما يضاف على هذه الشخصية كونها بدأت حياتها بظلم فرضته الظروف وأنهتها بظلم فرضه الأعداء. وهنا يؤكد الدكتور النابلسي أن الموضوعية تقتضي الإقرار بأن الطريق إلى الحكم كان شاقاً ومكلفاً وأصعب منه الحفاظ على السلطة والفترات الصراعية الصعبة فيها, حيث تشير متابعة هذه المسيرة إلى تمتع «صدام» بصفات يعترف بها أعداءه ومعارضوه €صلاح عمر العلي€, مثل الذكاء والشجاعة والقدرة على المواجهة وتحمل الضغوطات والتعامل مع الأزمات وغيرها من الصفات التي لا تجد لها معادل لدى «ووكر بوش», حيث يعلم الجميع حيثيات وصوله الى هناك, عدا عن حاجته الحيوية الى من يشرح له الأمور ويبسطها له. بين اللامعقول وحد الهاوية وفيما يتعلق بحالة الاقتصاد الأميركي, يوثق الباحث اللبناني المعروف, الحقائق التي تؤكد أن الأهداف الاقتصادية للحرب على العراق كانت معلنة وإنه تم تغليفها بشعارات أميركية الدلالة والمضمون, فقد أظهرت حوادث 11 أيلول €سبتمبر€ هشاشة الاقتصاد الأميركي ومعاناته من سرطانات صعبة الشفاء بالعلاجات التقليدية, وهذه لا يعني ان الأزمة تولدت نتيجة 11 أيلول €سبتمبر€, فحوادث ذلك الثلاثاء لم تكن إلا مناسبة لاكتشاف امراض الاقتصاد الأميركي, حيث تهاوت شركاته الكبرى €هاليبرتون واينرون ووورلد كوم وغيرها€, ليتبين أن هذه الشركات كانت مفلسة منذ العام 1997, وأن بوش وفريقه كانوا يعلمون بهذه الحقيقة ويتسترون عليها, كما يتسترون على تزويرها لكشوفاتها المالية التي تظهرها شركات مربحة, بما يعادل النصب على المستثمرين وإغرائهم بإيداع أموالهم في شركات مفلسة, كما تبين ان بوش وفريقه في هذه الشركات. وما بين الانعكاسات العالمية للسوق الأميركية والاقتصاد الأميركي من الداخل وسيكولوجية الإدارة الأميركية والبورصة وأزمة الرأسمالية العالمية, يختار الدكتور محمد أحمد النابلسي أبحاث الفصل الرابع من كتابه الجديد, فيما تتناول الفصول الأخيرة سيناريوات الحرب اللامعقولة, إلى جانب مناقشة نقدية للحرب الإستباقية, وحرب العراق بين الحرب الإستباقية والحرب الافتراضية, مؤكدا ًفي النهاية أن القراءة النفسية للحرب على العراق, هي مهمة ملقاة على عاتق فروع اختصاصية متداخلة, وهي ستشغل العاملين في هذه الفروع على مدى سنين آتية.